صلاح رشاد .. يكتب: الملك العضوض .. والأثمان الباهظة (9)
الحجاج يوقع بين الشقيقين الوليد وسليمان !
إستقرت الأمور لبني مروان وقبضوا علي زمام الملك والخلافة بيد من حديد وأصبح أهل الشام أطوع لهم من الخاتم، وأثبتت الأيام صدق فراسة مالك بن هبيرة السكوني أحد زعماء أهل الشام ووالي حمص لمعاوية رضي الله عنه.
وكان مالك ممن حضر مؤتمر الجابية الذي أعاد الحكم لبني أمية بعد تنازل معاوية بن يزيد عن الخلافة، وكان مالك ميالا لاستمرار الحكم داخل البيت السفياني، لذلك انحاز لخالد بن يزيد بن معاوية، خاصة أن أم يزيد كانت من قبيلته، وأما ابن عمه، حصين بن نمير السكوني، فكان يحب أن تكون الخلافة لمروان بن الحكم، فقال مالك لابن عمه الحصين بن نمير: (الحصين هو قائد جيش يزيد الذي حاصر مكة وأراد إخضاع ابن الزبير قبل هلاك يزيد).
قال مالك للحصين: هلم فلنبايع هذا الغلام (يقصد خالد بن يزيد ) فهو ابن أختنا فقد عرفت منزلتنا التي كانت عند أبيه يزيد وإنك إن تبايعه يحملك غدا على رقاب العرب، فقال الحصين: لا لعمر الله لا يأتينا العرب بشيخ (يقصد عبد الله بن الزبير) ونأتيها بصبي، فقال مالك: أظن هواك في مروان، والله إن استخلفت مروان ليحسدنك على سوطك وشراك نعلك وظل شجرة تستظل بها، إن مروان أبو عشرة و أخو عشرة و عم عشرة فإن بايعتموه كنتم عبيدا لهم.
وتابع: ولكن عليكم بابن أختكم خالد بن يزيد، فقال الحصين: إني رأيت في المنام قنديلا معلقا من السماء و إنه جاء كل من يمد عنقه إلى الخلافة ليتناوله فلم يصل إليه، وجاء مروان فتناوله و الله لنستخلفنه، فصدقت فراسة مالك بن هبيرة وتمكن مروان وابناؤه وأحفاده إلي حين.
نعود الي سيناريو الأحداث التي توقفنا فيها عند موت عبد الملك وولاية إبنه الوليد الذي ورث عن أبيه دولة كبيرة مترامية الأطراف ومستقرة، فانشغل في بداية حكمه الذي استمر 10 سنوات بالفتوحات ففتح الأندلس (أسبانيا والبرتغال حاليا ) والسند (باكستان حاليا ) واتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهده بشكل كبير.
وكان الوليد وسليمان أخوين شقيقين، لكن الوليد كان من جبابرة بني أمية فأطلق العنان أكثر لطاغية العراق الحجاج بن يوسف .. وكان أشد تقديرا للحجاج من أبيه عبدالملك.
وكان الحجاج من الذين زينوا للوليد خلع سليمان وإسناد ولاية العهد لابنه عبد العزيز، لأن استمرار الخلافة في بيت الوليد كانت تعني استمرار الحجاج في الهيمنة علي مقدرات الأمور في العراق والمشرق الإسلامي كله.
وكان للحجاج عداوات كثيرة لبطشه وشدة انتقامه، وكان من يغضب عليهم الحجاج يلجأون إلي سليمان ولي العهد يستنجدون به، وكان سليمان واليًا على فلسطين طوال فترة حكم الوليد، وقد استنجد به يزيد بن المهلب والي خراسان الذي عزله الحجاج وسجنه وغرمه أموالا طائلة وعذبه في سجنه.
ورغم أن يزيد كان صهر الحجاج لأنه أخو هند زوجة الحجاج، إلا أن هذا الطاغية لم يكن يرحم من يقع في قبضته مهما كانت قرابته وصلته به، ونجح يزيد في الهروب من السجن واللجوء إلي سليمان الذي كان يبغض الحجاج بعد أن زاد نفوذه بصورة رهيبة في عهد أخيه الوليد.
لذلك كان سليمان يفتح بيته لأعداء وخصوم الحجاج ويدافع عمن يستنجدون به من بطش هذا الطاغية، وأحسن سليمان استقبال يزيد وأكرمه وأقام عنده معززا.
وشعر يزيد أنه أصبح في مأمن من الحجاج بعد أن بات في جوار ولي العهد، ولم يكن صعبا علي الحجاج أن يعلم أن يزيد بن المهلب ذهب لسليمان مستنجدا فقد كانت جواسيس الحجاج وعيونه منتشرين في العديد من الولايات الكبري، ولانبالغ إذا قلنا إن الحجاج كان أقوي رجل في دولة الوليد بن عبدالملك.
فكتب الحجاج إلى الوليد يعلمه أن يزيد هرب من السجن، وأنه عند سليمان.
فكتب الوليد إلى سليمان ينهاه عن ضيافة يزيد، فكتب سليمان: يا أمير المؤمنين إني أجرت يزيد بن المهلب؛ لأنه مع أبيه وإخوته أحباء لنا من عهد أبينا، ولم أجر عدوًّا لأمير المؤمنين، وقد كان الحجاج عذبه وغرمه دراهمَ كثيرة ظلمًا، فإن رأى أمير المؤمنين أن لا يخزيني في ضيفي فليفعل؛ فإنه أهل الفضل والكرم.
(كلمات رقيقة معبرة من أخ لأخيه الكبير الشقيق قبل أن تكون من ولي عهد لخليفة)، لكن سيطرة الحجاج علي الوليد جعلته لا يري إلا بعين الحجاج ولا يتحدث إلا بلسانه ولا يضرب إلا بسيفه، فكتب الوليد إلي أخيه سليمان إنه لابد من إرسال يزيد مقيدًا مغلولًا.
طبعا رد كله عجرفة وعدم اعتبار لصلة الرحم وأن سليمان هو الرجل الثاني في الدولة رسميا.
فماذا يفعل سليمان في هذا الموقف العصيب ؟
هل يسلم يزيد بن المهلب بعد أن أصبح في جواره، أم يعاند ويدخل في صدام مع أخيه الجبار وشيطان العراق الحجاج ؟
نجيب في الحلقة المقبلة إن شاء الله .